كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



101- وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}.
قال طاووس اليسير من كل شيء وقال خالد بن أبى عمران سألت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى وقال قتادة هو الفضل قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأن العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك صلى الله عليه وسلم أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم افضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر قال مجاهد هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على القول الأول.
102- ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة} قال أبو جعفر حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا قال أبو جعفر والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون.
103- ثم قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إلى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير إلى آخرها.
104- وقوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} أي يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة.
105- ثم قال تعالى: {ولو شاء الله لاعنتكم}.
قال مجاهد أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في ألا دم والمرعى وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لاعنتكم قال لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا وقال أبو عبيدة لاعنتكم لأهلككم وقال أبو إسحاق حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون ابن قال وأصل العنت في اللغة من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها.
{إن الله عزيز} أي يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد حكيم ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره.
106- وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} أكثر أهل العلم على هذه الآية منسوخة نسخها اليوم احل لكم الطيبات إلى قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والاوزاعي وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به قال قلت فان الله يقول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن فقال أهل الأوثان والمجوس وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفه يهودية أو نصرانية فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء.
107- ثم قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أي لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره إلى النار.
أولئك يدعون إلى النار أي يعلمون بأعمال أهلها فيكون نسلكم قوله يتربى مع من هذه حاله.
والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بأذنه أي يدعوكم إلى أعمال أهل الجنة والمغفرة بأذنه أي بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته لعلهم يتذكرون ليكونوا على رجاء التذكر.
108- ثم قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}.
قال قتادة أي قذر وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فانزل الله عز وجل: {يسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع فقط.
110- ثم قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن}.
أي حتى ينقطع الدم عنهن وقرأ أهل الكوفة يطهرن أي يغتسلن وكذا معنى يتطهرن قرأ به بن مسعود وأبي.
وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لأنه لا يحل المسيس حتى يغتسلن قال أبو جعفر وهذا لا يلزم فيجوز أن يكون معناه كمعنى يطهرن ويجوز أن يكون معناه حتى يحل لهن أن يتطهرن كما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله فإذا تطهرن.
111- ثم قال تعالى: {فآتوهن من حيث أمركم الله} قال مجاهد من حيث نهوا عنه في محيضهن.
وقال إبراهيم في الفرج وقال ابن الحنيفة من قبل التزويج من قبل الحلال وقال أبو رزين من قبل الطهر وقال أبو العالية ويحب المتطهرين من الذنوب وقال عطاء بالماء قال أبو جعفر وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء أن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني قالوا يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء وهذا لما نزل فيه رجال يحبون أن يتطهروا.
112- وقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} أي موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد.
113- ثم قال تعالى: {فآتوا حرثكم أنى شئتم} أصح ما روي في هذا أن مالك بن أنس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها احول فانزل الله نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وكذلك قال مجاهد قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج.
وروى أبو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال سألت ابن عباس عن العزل فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل قال أبو جعفر وقال الضحاك أنى شئتم متى شئتم ومعناه من أين شئتم أبي من أبي الجهان شئتم قال أبو جعفر وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد وقوله تعالى: {واتقوا الله} فدل على العظة في أن لا يجاوزوا هذا.
114- ثم قال تعالى: {وقدموا لأنفسكم} أي الطاعة وقيل في طلب الولد.
115- وقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال سعيد بن جبير ومجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت والتقدير في العربية كراهة أن تبروا.
115- وقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} فيه أقوال قال أبو هريرة وابن عباس وهذا لفظ أبى هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه.
فإذا هو غير ذلك وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة إنها قالت لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله وقال بهذا الشعبي وقال سعيد بن جبير هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه وقال زيد بن أسلم قولا رابعا قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري أن لم افعل كذا اخر جني الله من مالي أن لم آتك غدا فلو اخذه بهذا لم يترك له شيئا.
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول عائشة لأن يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال اخبرني أبى عن عائشة في قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله فهذا أخبار منها عن عملها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية واللغو في اللغة ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه وقول أبى هريرة وابن عباس غير خارج من ذا أيضا لان الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم فأما قول سعيد بن جبير فبعيد لأن ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه إذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلا أمر ذلك الله وقول زيد بن اسلم محال لأن قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين وقيل ألغو قد الغي أثمه.
116- ثم قال تعالى: {والله غفور حليم} أي غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا إلزامكم عقوبة حليم في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله أعلم.
117- وقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن جريج قلت لعطاء قلت لشئ اعمده محمد والله لا افعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال عطاء والتعقيد والله الذي لا اله إلا هو ففسر عطاء أن قوله والله لا افعل مما اكتسبه القلب.
وفيه الكفارة وإن اليمين والله لا اله إلا هو وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال بما عقدتم عليه.
118- وقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} قال أبو جعفر والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم أبي أن يعدلوا نسائهم روى عطاء عن ابن عباس قال كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاءه منهم اقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا ابن عباس أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا لم يريدوا المرأة وكرهوا أن يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا أن لا يقربوها فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع إلى وطء امرأسه إلى فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس وقرأ أبى بن كعب فان فاءوا فيهن وقال قوم لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر فإذا تمت له أربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه أخذ بالجماع أو الطلاق.
وروي هذا عن عمر وعلي وأبي ألد رداء رواه مالك عن نافع ابن عمر وقال مسروق والشعبي الفئ الجماع قال أبو جعفر والفئ في اللغة الرجوع فهو على هذا الرجوع إلى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال أو قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق ويدل على هذا أن أمللك كان فلان معناه صير يملك المرأة إلا أن المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت.
119- وقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو الدرداء أبو وأبو موسى ثلاث حيض وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر ثلاثة أطهار ويحتج للقول الأول بأن عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت أن اجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت.
والقرء عند أهل اللغة الوقت فهو يقع لهما جميعا قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح إذا هبت لوقتها وحدثني احمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن أبى يزيد النحوي عن أبى عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمى الحيض مع الطهر قرءا.
120- وقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} وقال ابن عمر وابن عباس يعني الحبل والحيض وقال قتادة علم أن منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد إلى غيره فنها هن الله عن ذلك.
121- ثم قال تعالى: {إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر}.
فليس هذا على أنه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم وإنما هذا كقولك أن كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي أن يحجزك الأيمان عنه لأنه ليس من فعل أهل الأيمان.
122- ثم قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل.
123- ثم قال تعالى: {إن أرادوا إصلاحا} أي إن أراد الأزواج بردهن الإصلاح الاضرار وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس أن أرادوا إصلاحا وذلك أن الرجل كان إذا طاق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
124- وقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال أني لأحب أن أتزين للمرأة كما احب أن تتزين لي وقال ابن زيد يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم.
125- ثم قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة} قال مجاهد هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.
وقال أبو مالك له أن يطلقها وليس لها من الأمر شيء.
126- وقوله تعالى: {الطلاق مرتان} روى علي بن أبى طلحة عن ابن عباس {الطلاق مرتان} قال إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا وقال عروة بن الزبير كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل أن تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك رجل مرارا فانزل الله تعالى الطلاق مرتان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع أكثر منه الرجعة مرتان ويروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم فأين الثالثة فقال التسريح بإحسان.
127- ثم قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق أو تسريح بإحسان أي يستهل أمرها بأن يطلقها الثالثة والسرح في كلام العرب السهل.
128- وقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} هذا في الخلع الذي بين الزوجين قال أبو عبيدة الخوف هاهنا بمعنى اليقين قال أبو إسحاق حقيقته عندي أن يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة قال ابن جريج كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله تعالى إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا اغتسل من جانبة أو ولكنه كان يقول إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة والمعنى على هذه القراءة إلا أن يخاف الزوج والمرأة وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة {إلا أن يخافا} بضم الياء وفي قراءة عبد الله إلا أن تخافوا بالتاء.
وقيل المعنى على هاتين القراءتين إلا أن يخاف السلطان ويكون الخلع إلى السلطان وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من أخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال اخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما قال أبو جعفر وأكثر العلماء على أن ذلك إلى الزوجين.
129- ثم قال تعالى: {ولا جناح عليهما فيما افتدت به} وقد قال في موضع اخر فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا وروى معمر عن الزهري قال لا يحل لرجل أن تختلع امرأته إلا أن يؤتى ذلك منها فأما أن يكون يؤتى ذلك منه يضارها حتى تختلع منه فان ذلك لا يصلح وقال أهل الكوفة حظر عليه ما كان ساقه إلى المرأة من الصداق في قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} ثم اطلقه إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله فلا يحل له أن يأخذ أكثر مما ساقه إليها وليس في الآية ما يدل على أنه لا يحل له اكتر مما أعطاها.
وقول الزهري بين ويكون قوله إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله يبين قوله ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا أي لا تأخذوا منهن شيئا غصبا ومعنى حدود الله ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش واحدة المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى فلا تعتدوها فلا تتجاوزها.
130- ثم قال تعالى: {فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} المعنى فان طلقها الثالثة.
وأهل العلم على أن النكاح هاهنا الجماع لأنه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع إلا سعيد بن جبير فإنه قال النكاح هاهنا التزويج الصحيح إذا لم يرد إحلالها قال أبو جعفر ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة.
وعن علي حتى يهزها به.
131- ثم قال تعالى: {فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه قال ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا فمازلت ادرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت أن الرجل الآخر إذا طلقها رجعت إلى زوجها الأول أن شاء.
132- ثم قال تعالى: {إن ظنا أن يقيما حدود الله} قال طاووس أن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه.
وقال مجاهد أن علما أن نكاحهما على غير دلسة.
133- ثم قال تعالى: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} أي يعلمون أن أمر الله حق لا ينبغي أن يتجاوز.
134- ثم قال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} أجلهن وقت انقضاء العدة ومعنى فبلغن أجلهن على قرب البلوغ كما تقول إذا بلغت مكة فاغتسل قبل أن تدخلها.
135- ثم قال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} روى أبو الضحاك عن مسروق ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال يطلقها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها أيضا ولا يريد إمساكها ويحبسها فذلك الذي يضار ويتخد آيات الله هزوا وقال مجاهد وقتادة نحوه.
136- ثم قال تعالى: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} أي عرضها لعذاب الله.
137- ثم قال تعالى: {ولا تتخذوا آيات الله هزوا} يروى عن الحسن أن الرجل كان يطلق ثم يقول إنما كنت لاعبا فنزل هذا.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والرجعة وقيل من طلق امرأته فوق ثلاثة فقد اتخذ آيات الله هزوا وروي عن عائشة أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول والله لا أورثك ولا ادعك وكيف ذاك وقال إذا كدت تقضين عدتك راجعتك فنزلت ولا تتخذوا آيات الله هزوا قال أبو جعفر وهذا من أجود هذه الأقوال لمجيئها بالعلة التي أنزلت من اجلها الآية والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لأنه يقال لمن سخر من آيات الله اتخذوها هزوا ويقال ذلك لمن كفر بها ويقال ذلك لمن اطرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية. وآيات الله دلائله وأمره ونهيه.
138- وقوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} روى سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل بن سنان أو يسار وقال لي الطحاوي وهو معقل بن سنان أن أخته كانت عند رجل فطلقها ثم أراد أن يرجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال أبو جعفر ومعنى لا تعصلاهن عليه في اللغة لا تحسبوهن أبي وحكى الخليل دجاجة معضل أي قد احتبس بيضها وقد قيل في معنى هذه الآية أن انهي للأزواج لأن المخاطبة لهم مثل قوله ولا تمسكوهن ضرارا وقد يجوز أن يكون للاولياء وخوطبوا بهذا لأنهم ممن يقع لهم هذا وقد تقدم أيضا نهي الازواج والاجود أن يكون لهما جميعا ويكون الخطاب عاما أي يا أيها الناس إذا طلقتم النساء فلا تعضلوهن.
قال أبو جعفر وحقيقة فلا تعضلوهن فلا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء في مراجعة ازواجهن وتقول عضل يعضل وعضل يعضل ومنه الداء العضال الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج ومعنى والله يعلم أي ما لكم فيه الصلاح.
139- وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين} لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر لما فيه من الالزام وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني قال تزوج رجل امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال: إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال: {وفصاله في عامين} وقال ابن عباس فإذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل في ستة أشهر والفائدة في كاملين أن المعنى كاملين للرضاعة كما قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} أي من الهدي وقال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} لأنه قد كان يجوز أن ياتي بعد هذا شيء اخر أو تكون العشرة ساعات.
140- ثم قال تعالى: {لمن اراد أن يتم الرضاعة} أي ذلك وقت لتمام الرضاعه وليس بعد تمام الرضاعة رضاع.
141- ثم قال تعالى: {وعلى المولود له} أي على الاب الذي ولد له رزقهن وكسوتهن أي رزق الامهات وكسوتهن بالمعروف أي لا تقصير في النفقة والكسوة ولاشطط.
142- ثم قال تعالى: {لا تضار والدة بوالدها} على النهي وقرا ابان عن عاصم لا تضارر والدة بكسر الراء الأولى وقيل المعنى لا تدع رضاع ولدها لتضربه ما غيظا على ابيه وقرأ أبو عمرو وابن كثير لا تضار والدة بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الالزام.
وروى يونس عن الحسن قال يقول لا تضار زوجها فتقول لا أرضعه لا ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول أنا ارضعه.
143- ثم قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} روى مجاهد عن ابن عباس قال وعلى الوارث أن لا يضار وكذلك روي عن الشعبي والضحاك وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع وروي عن الضحاك الوارث الصبي فان لم يكن له مال فعلى عصبته وإلا أجبرت المرأة على رضاعه قال أبو جعفر وزعم محمد بن جرير الطبري أن أولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله أنه يراد بالوارث المولود وأن يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وإن كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على ولده لها من اجر الرضاعه ولا يكون غير هذا إلا بحجة واضحة لأن الظاهر كذا قال أبو جعفر والقول الأول ابين لأن الاب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال وإن كن اولات حمل فأنفقوا عليهن وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما تجب عليه ما دام رضيعا ثم قال أبو حنيفة وأصحابه وعلى الوارث مثل ذلك أي الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن.
144- ثم قال تعالى: {فان اراد فصالا عن تراض منهما وتشاور} قال مجاهد وقتادة أي فطاما دون الحولين قال أبو جعفر وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الابوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير اضرار منهما بالولد ثم قال فلا جناح عليهما أي فلا اثم.
145- ثم قال تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا اولادكم} أي تسترضعوهم قوما قال أبو اسحاق أي لاولادكم أن غير الوالدة فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم أي سلمتم ما أعطيتم من ترك الاضرار.
وقال مجاهد إذا سلمتم حساب ما ارضع به الصبي.
146- ثم قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا} روي عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قرأ والذين يتوفون منكم بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون اعمارهم أي يستوفونها والله أعلم.
147- ثم قال تعالى: {يتربصن بانفسهن أربعة أشهر وعشرا} العشر عدد الليالي إلا أنه قد علم أن مع كل ليلة يومها قال محمد بن يزيد المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة.
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لأنه يتبين حملها أن كانت حاملا قال الاصمعي ويقال: إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض وقال غيره اركضت على فهي مركض وانشد:
ومركضة صريحي أبوها ** تهان له الغلامة والغلام

148- ثم قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} قال الضحاك اجلهن انقضاء العدة.
وروى ابن انجيح عن مجاهد فيما فعلن في انفسهن بالمعروف قال النكاح الحلال الطيب.
149- وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} روى مجاهد عن ابن عباس قال هو أن يقول أريد أن اتزوج وكره أن يقول لا تبسقيني بنفسك في العدة وقال القاسم بن محمد هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق اليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول.
وقالت سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي أبو جعفر محمد بن علي وانا في عدتي فسلم ثم قال كيف اصبحت فقلت بخير جعلك الله بخير فقال أنا من قد علمت قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الاسلام وشرفي في العرب قالت فقلت له غفر الله لك يا ابا جعفر أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال ما فعلت إنما اخبرتك بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بنت أبى امية بن المغيرة المخزومية وتأيمت من أبى سلمة بن عبد الاسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى اثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة.
150- ثم قال تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم} قيل من أمر النكاح.
151- ثم قال تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن} قال الحسن أي في الخطبة وقال مجاهد أي في نفسه.
152- ثم قال تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا} قال سعيد بن جبير السر أن يعاقدها الله على أن لا تتزوج غيره وقال مجاهد هو أن يقول لا تفوتيني بنفسك وقال أبو مجلز وابراهيم والحسن هو الزنا وقال أبو عبيدة هو الافصاح في النكاح قال محمد بن يزيد قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطا إنما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا فليس هذا موضع الزنا قال أبو جعفر الذي قال محمد بن يزيد من أن السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال إلا أن الاشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير أن المعنى لا تواعدوهن نكاحا فسمي النكاح سرا لأن الغشيأن يكون فيه وزعم محمد بن جرير أن أولى الاقوال باصواب أن السر الزنا ولا يصح قول من قال السر أن يقول لها لا تسبقيني بنفسك لأنه قول علانية فان اراد أن يقال سرا قيل له فهو إذا مطلق علانية وهذا لا يقوله احد ولا يكون السر النكاح الصحيح لأنه لا يكون إلا بولي وشاهدين وهذا علانية ومعنى ستذكرونهن ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فبغرها قال بذلك حتى يصل إلى جماعها زنا.
153- ثم قال تعالى: {إلا أن تقولوا قولا معروفا} قال مجاهد هو التعريض وقال سعيد بن جبير أن يقول لها أنى لأرجو أن نجتمع أني إليك لمائل وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أحله حتى تنقضي العدة والتقدير في اللغة حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا.
154- ثم قال تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} أي يعلم ما تحتالون به.
155- وقوله عز وجل: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} قال ابن عباس الجماع أو تفرضوا لهن فريضة الفريضة هاهنا المهر قال أبو جعفر واصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي ومنه فرض السلطان لفلان.